ملخص مقدمة ابن خلدون (الباب الأول) : في العمران البشري
حتمية التعاون بين البشر:
إجتماع البشر و تعاونهم ضرورة ملحة لا اختيار فيها لاحد ممن اراد. فاساس بقاء الانسان هو الطعام، و الطعام لا يمكن تحصيله بالاعتماد على فرد واحد مما جعل الجماعية حتمية و لا بد منها للبشر. و هذا الأمر جعل كل من يحاول الخروج عن هذه الحتمية شخصا خارجا عن الفطرة الإنسانية و هو الامر الذي سينقلب عليه بأعراض مادية و نفسية خطيرة مما يجعل علماء النفس يصنف الميل للعزلة بشكل مرضي.
و اكد بن خلدون ان هذه الحقيقة يظهر فيها بعض الحيوانات اقوى من الإنسان لان منها من هو قادر على العيش بمفرده بسبب طبيعته التي تمكنه من تحصيل طعامه و امنه بشكل منفرد. لكن نقطة ضعف الإنسان هذه ليست الا قوة فعلية اجبرته على التعاون الذي كان اساس عمران الارض و التطور الواضح للجنس البشري على غيره من الكائنات مع مرور العصور.
تقدم الشمال على الجنوب:
ربط ابن خلدون نشوء الحضارات و العمران المتقدم في بعض المناطق و غيابها في البعض الآخر بدرجة الحرارة. حيث رأى ان المناطق ذات الحرارة العالية تتعرض للجفاف اكثر و تكون فرص البنيان فيها اقل. في حين ان المناطق الباردة نسبيا تكون بيئتها افضل للحياة و الانتاج بشكل عام و الانتاج الغذائي بشكل خاص، اما المناطق الباردة جدا فهي صعبة كذلك بسبب صعوبة انتاج الغذاء فيها.
و هنا نفهم ان ابن خلدون كان يجعل الغذاء و ضرورة توفيره اهم عامل لادارة عجلة التقدم و ان اعتدال الجو يلعب الدور المباشر في التصنيع الغذائي، و هذا الكلام مازال صحيحا الى الآن فالدور الرائدة في العالم هي دول مكتفية غذائيا و تملك جوا معتدلا على مدار السنة.
و من هنا استنتج ابن خلدون ان ارتفاع حرارة الأرض سيؤدي حتما للنقض الغذائي و بالتالي الى تراجع الحضارة البشرية و قد يكون سببا في حروب كبرى.. و هنا قد نجد ربطا لما يعيشه العالم اليوم مع ما يسمى بظاهرة الإحتباس الحضاري و هذا يثبت نبوغ ابن خلدون و سبقه لعصره.
الطقس و اخلاق السكان:
رأى ابن خلدون ان هناك علاقة مباشرة بين الطقس السائد في بلد ما و اخلاق اهله، فاهل البلدان الباردة اكثر تخطيطا للمستقبل و تخوفا من العواقب عكس اهل المناطق الحارة و المناطق القريبة من البحر، فأهل البلاد الباردة يخافون غدر الجو و يخشون نقص غذائهم فتراهم اكثر حرصا و تفكيرا و كأنهم توارثوا هذه العقلية حتى يومنا.
و من المؤكد علميا في زمننا هذا ان طريقة التفكير التي ينتهجها الانسان في امر ما تصبح صبغة لعقليه في كل شيء، فالرجل المقامر مثلا يكون بطبعه مغامرا متهورا غير صبور اما راعي الغنم فهو رجل صبور جدا لا يغضب بسهولة... الخ فالطقس و طريقة التعامل معه من اجل تأمين الغذاء امر مؤثر بشكل مباشر على اخلاق اهله.
الفقر و التدين:
رأى ابن خلدون ان سكان المناطق الأكثر فقرا هم اكثر تدينا، و ان اهل المدن تتغير نسبة تدينهم بحسب ظروفهم المعيشية فكلما تحسنت الظروف وظهر الترف سادت الغفلة في حين لو ضاقت عاد الناس الى ربهم سالين اياه الرحمة.
كما اكد ان التدين الناجم عن الفقر فقط هو تدين خارجي من حيث العبادات و الكلام المتداول اما التصرفات فقد تحيد عن المسار الصحيح و تسقط في الخرافة احيانا او ان ان تسقط في العكس اذا لم يتحمل الفقراء ظروفهم ليتحولوا للتصرف مثل الكفار مثلما حدث للصعاليك في الجاهلية عندما تحولوا لقطع الطريق و الإغارة على القبائل للإنتقام من الظلم الاجتماعي.
الطعام و تأثيره على اخلاق الناس:
ايد ابن خلدون فكرة ان نوع الطعام ينعكس في المد الطويل على اخلاق من يأكله، فهو يرى ان اهل البادية الذين يتغذون على لبن الابل و لحومها يملكون صفاتها من التحمل و الصبر و هذه نقطة خلافية حتى اليوم و ان اعتبر ان العلامة ذهب بعيدا في هذا الاستنتاج.
الكرامات الإلهية:
طرح ابن خلدون مسألة كرامات الأولياء و الصالحين في هذا الباب و عرض اراء المذاهب فيها و كيف ان البعض يرفضها اجمالا و يرى انها لا تجوز الا للانبياء و الرسل و كيف يرى اخرون انها تجوز لاولياء الله الصالحين و حاول ان يكون على الحياد
اصناف النفس البشرية:
صنف ابن خلدون النفس البشرية من حيث الادراك الروحاني الى ثلاثة اصناف فالصنف الاول هو نفس مرتبطة بالبدن ب شكل كلي و تكون معتمدة بالتفاعل مع العالم الخارجي على الحواس و الخيال و الذاكرة و هذا صنف الناس عامة، و صنف ثاني يعتمد على التعقل الروحاني و تنسلخ نفسه جزئيا من الجسد و هذا صنف الكهان لدى ابن خلدون، و الصنف الثالث هو نفس راقية تماما تصل الى حد الملائكية بالتخلي عن كل ما هو محسوس و الاعتماد على الذات الروحانية و هم الانبياء و الرسل.
الكهانة: لا يقر ابن خلدون بان الكهانة انتهت تماما بعد النبي محمد عليه الصلاة و السلام بسبب رجم الشياطين بالشهب، حيث يرى ان ذلك المنع لم يكن مطلقا وانما من اخبار البعثة و الوحي فقط.
كما يرى ان الكهانة ليست مجرد اتصال مع الشيطان بل بوجود قدرات لدى اصحابها كامنة فيهم.. و هذه حقيقة قد نكون تأكدنا منها اليوم بالماسونية و ما يحيط بها من لغط.. و يشدد ابن خلدون هنا على حرمة الكهانة و عداء اصحابها للبشرية جمعاء
الأحلام:
فسر بن خلدون الرؤى بارجاع الامر الى نفوسنا الروحانية بالاصل، و بالتالي فانه في بعض الاحيان و عند النوم تتجرد النفس من الطابع البشري فتطالع ما في هذه الروح التي تعلم ما سيقع فيعود الامر الينا بشكل حلم مباشر او رمزي
المصدر