محمد الفاتح هو سابع سلاطين الدّولة العثمانية الذي اشتهر في جميع أنحاء العالم آنذاك بالفتوحات التي قام بها والتّوسع الكبير للدّولة الإسلامية في عصره، فهو من قام بالقضاء على الدّولة البيزنطية بعد حكمِها الطّويل، وهو ما اعتبره العديد من المؤرخين النّقطة الانتقالية من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة.
نشاته
كانت عادة السلاطين العثمانيين أنهم يرسلون الأولاد الذّكور إلى الولايات القريبة التّابعة لهم، وهذا ما حصل مع محمّد الفاتح الذي أرسله أبوه إلى ولاية أماسيا عندما بلغ أحدَ عشرَ ربيعاً ليستلم الحكم عليها، ويكتسب بعض الخبرة ليتمكّن من حكم الدّولة العثمانيّة عندما يكبر.
كان السّطان كثير اللّعب ولا يستمع لتعليمات وإرشادات الأساتذة الذي قام والده بتعيينهم له، ولم يُتمم حفظ القرآن وهو أمرٌ لم يكن مسموحاً في العهد العثماني، فمن شروط تسلّم الحكم يجب أن يكونَ دارساً وحافظاً للقرآن الكريم، فما كان من أبيه إلّا أن بعث أستاذاً جليلاً لتعليم ابنه، وسلّمه عصا ليضرب ابنه إذا خالف أوامره، فلمّا وصل الأستاذ إلى القصر وأخبر الأمير بأنّ أباه أعطاهُ هذه العصا لضربه في حال لم يسمع كلامه أخذ الأخير بالضّحك، فقام الأستاذ وضربه بشدّة مما سبّب الخوف للأمير وحفظ القرآن في فترةٍ وجيزة وكان هذا الأستاذ هو أحمد بن إسماعيل الكوراني، والذي تأثّر به السّلطان تأثراً كبيراً، وكان يستمع إلى نصائحه وإرشادته في كافّة نواحي الحياة، وأصح مُسلماً ملتزماً ومطبقاً لشريعة اللّه بسبب التربية الإسلاميّة الصّحيحة التي كبُرَ عليها.
الحكم
عند وفاة الابن الأكبر للسلطان مراد الثاني حزن عليه حزناً شديداً، ولم يستطع من تأدية واجباته كسلطانٍ للدولةِ العثمانيّة، لذا قام بالتّنازل عن الحكم لابنه الأمير محمّد الذي كان يبلغ من العمر أربعة عشر ربيعاً، وذهب إلى منطقة أيدين ليعيش في خلوةٍ بعيداً عن الناس في هذه الأثناء أغار المجر على بلاد البلغار متجاهلين وغير مراعين للهدنة التي أبرمت بينهم وبين العثمانيين، مما دفع السّلطان محمد إلى الكتابة لأبيه، إمّا أن يعود ويتربّع على عرش السلطنة مجدداً، أو أن يقود الجيش في المعركة ضدّ المجر، فقام السلطان المعتزل بتلبية أمر السّلطان وقاد الجيش العثماني، وحقق النّصر في معركة فارنا التي تحالف فيها الأوروبيون ضد السلطنة العثمانيّة، وكانت من بين التي شاركت المجر، وألمانيا، وفرنسا، والبندقيّة، ثمّ عاد السّلطان مراد الثاني للحكم بعد التعرض للكثير من الضّغوط التي تلح عليه بالعودة.
عاد الأمير محمد إلى ولاية مانيسا إلى أن توفّى والده، ثمّ تسلّم الحكم مرّةً أُخرى، وأخذ يستعد للفتح ما بقي من البلاد لكي تكون أملاكه كلّها متصلة، فقام بالإهتمام بتزويد الجّنود بكلّ متطلّباتهم وتدريبهم كافّة أنواع الفنون القتال، وجهّز الجيش بكافة أنواع السّلاح، وأولى اهتماماً كبيراً في تزويد الجيش بالقوّة البشريّة، إذ وصل تعداده قرابة الربع مليون جندي.
فتح القُسطنطينيّة
وأمّا بعد تولّي السّلطان محمّد الفاتح الحكم مرةً أخرى بدأ بالاستعداد والتّحضير لفتح القسطنطينيّة، وهي أعظم ما قام به، فقد كأراد أن يكون هو صاحب حديث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - الذي قال فيه:” لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ”، فجهّز الجيشَ بالجند و العُدّة كاملةً ودربهم تدريباً بدنيّاً ومعنويّاً كاملاً من أجل الفتح الكبير، وبدأ بتحصين مضيق البوسفور لمنع السّفن من الوصول إلى القُسطنطينيّة لدعمها، كما عقد المعاهدات مع أعدائه ليتفرَّغ لمحاربة عدوٍ واحدٍ فقط.
وقام السّلطان محمّد الفاتح بعدها بالهجوم على القُسطنطينيّة، فمَهَّدَ الطّريق إليها ليتسنّى إصابتها بالمدافع، وصل إليها في السادس من أبريل عام 1453م، فحاصر القُسطنطينيّة من البرِّ والبحر وكشف عن قبر أبي أيوب الأنصاريّ، فواجه خلال الحصار مقاومةً شديدةً خاصّةً من ناحية البحر التي أغلقها البيزنطيون بالسّلاسل الحديدية، فأتى رحمَهُ الله بخطةٍ تتضمَّنُ نقلَ السَفن عبر البر فمَهَّد الطّريق لها ونقلها على ألواحٍ خشبيّةٍ مدهونةٍ بالزّيت والشّحم، وبذلك تجاوز بها السلاسل الحديدية وأكمل الحصار عليها من البرِّ والبحر. استمرّ حصار القُسطنطينيّة 53 يوماً حيث تسلَّقَ الجنود أسوارَها ودخلوها، ودخل السّلطان إليها وأعلن الأمان على أهلها، فدخل منهم عددٌ كبيرٌ في الإسلام بعدما رأوا تسامُحَه معهم وأخلاقُه، وأعطى للمسيحييّن فيها حقوقَهم جميعها، وبهذا حصلَ السّلطان محمّد الثّاني على لقبه ليُعرَف حتى يومنا هذا بمحمّد الفاتح.
لم تقتصر إنجازات السّلطان على فتح القُسطنطينيّة، بل فتح العديد من البلدان الأُخرى، كالبوسنة وجزر اليونان وآسيا الصُّغرى وألبانيا وحارب المجر والمغول، وكان للسّلطان عددٌ من النّساء التي تزوّج بهنَّ وعددٌ من الأولاد على رأسِهم وليُّ عهده السّلطان بايزيد الثّاني وابنه جم، الذي حصل بينهما نزاعٌ على الخلافة بعد وفاة أبيهما بالسُّم على يد طبيبه يعقوب باشا المولود في إيطاليا والذي ادّعى الهداية والإسلام، فكان فقتلَه بالسم تدريجياً حتى علم بنهاية الأمر حين خرج إلى حملةٍ لم يحدّد وجهتها كعادته، فهو لم يكن يكشف مخطّطاته لأيِّ أحدٍ من قُوَّاته، وعندها زاد يعقوب باشا جرعةَ السُّم، ويرجّح المؤرخون أن الحملةَ كانت خارجةً لإيطاليا، وعندما عرف حرس الإمبراطور بأمر يعقوب باشا قاموا بإعدامه فوراً، فدُفِن السّلطان في جامعٍ في الأسِتَانة، وبقي حتّى بعد موتِه أحدَ القامات الكبيرة في العالم الإسلاميّ، والذي ما زال جميع المسلمين يعتزُّون ويفخرون به حتى وقتنا الحالي.