زراعة الشعر هي عملية جراحية تهدف إلى استعادة الشعر المفقود أو تحسين كثافته أو شكله في مناطق معينة من فروة الرأس أو الوجه أو الجسم. تعتبر زراعة الشعر حلاً شائعاً وفعالاً لمشكلة الصلع أو تساقط الشعر التي تؤثر على الكثير من الرجال والنساء في مختلف الأعمار والأسباب. ولكن ما هي تاريخ هذه العملية وكيف تطورت على مر الزمن؟ وما هي فوائدها واضرارها؟ في هذا المقال، سنحاول الإجابة على هذه الأسئلة بشكل موجز وموضوعي.
1. تاريخ زراعة الشعر
يعود تاريخ زراعة الشعر إلى الحضارات القديمة، حيث كان الشعر رمزاً للجمال والقوة والمكانة الاجتماعية. فقد عرف القدماء المصريين والرومان واليونانيين والهنود والصينيين طرقاً مختلفة لزراعة الشعر أو ترميمه أو تزيينه بواسطة الشعر الطبيعي أو الاصطناعي أو الحيواني أو النباتي. ولكن هذه الطرق كانت بدائية وغير دائمة ومحدودة النتائج.
في العصر الحديث، بدأت هذه العملية تأخذ منحى علمياً وتقنياً أكثر. ففي عام 1822، أجرى الطبيب الألماني ديفيدوف أول عملية زراعة لشعر ناجحة في التاريخ، حيث نقل جلداً محتوياً على بصيلات شعر من رقبة مريض إلى فروة رأسه. وفي عام 1939، أجرى الطبيب الياباني أوكودا أول عملية لزراعة الشعر باستخدام البصيلات الفردية أو المجموعات الجرابية، ولكن أبحاثه لم تنشر إلا بعد وفاته في عام 1948. وفي عام 1952، أجرى الطبيب الأمريكي أونتربرينكر أول عملية باستخدام الزرعات الدائرية أو القطع، ولكن هذه الطريقة كانت تترك ندوباً واضحة وتؤدي إلى نمو شعر غير طبيعي.
منذ ذلك الحين، شهدت زراعة الشعر تطورات كبيرة ومتسارعة في الأساليب والتقنيات والأجهزة المستخدمة. ففي عام 1984، طور الطبيب الأمريكي هيدينغ تقنية زراعة بالشرائط أو الشريحة، والتي تعتمد على استئصال شريحة من الجلد المحتوي على الشعر من المنطقة المانحة وتقسيمها إلى وحدات جرابية صغيرة وزراعتها في المنطقة المستقبلة. وفي عام 1988، طور الطبيب الأمريكي نوردستروم تقنية بالمجموعات الجرابية الصغيرة أو الدقيقة، والتي تعتمد على استخراج البصيلات أو المجموعات الجرابية التي تحتوي على 1-4 شعرة باستخدام أداة دقيقة وزراعتها في المنطقة المستقبلة. وفي عام 2002، طور الطبيب الأمريكي راسمان تقنية زراعة الشعر بالاقتطاف أو الحصاد، والتي تعتمد على استخراج البصيلات الفردية باستخدام أداة دوارة وزراعتها في المنطقة المستقبلة دون الحاجة إلى جراحة أو خياطة. وفي السنوات الأخيرة، ظهرت تقنيات جديدة ومتطورة مثل تقنية زراعة الشعر بالروبوت أو الآلي، وتقنية الزراعة بالنفخ أو الحقن، وتقنية الزراعة بالخلايا الجذعية أو النخاعية.
2. فوائدها واضرارها
زراعة الشعر هي عملية تتطلب تقييماً طبياً وتجميلاً دقيقاً لحالة المريض وتوقعاته ورغباته. فليس كل مريض مؤهل لها أو يحتاج إليها. ولكل تقنية من التقنيات المذكورة أعلاه مزاياها وعيوبها وشروطها ومضاعفاتها. لذلك، يجب على المريض استشارة طبيب مختص وموثوق ومتمرس في هذا المجال قبل اتخاذ قراره.
بشكل عام، زراعة الشعر تهدف إلى تحسين مظهر المريض وزيادة ثقته بنفسه وراحته النفسية.حيث تمكن المريض من استعادة شعره المفقود أو تغطية مناطق الصلع أو تعديل خط الشعر أو تكثيف الشعر أو تغيير شكله أو لونه أو طوله أو توزيعه. وهذا ينعكس إيجاباً على نوعية حياة المريض وعلاقاته الاجتماعية والعملية والعاطفية.
ولكن زراعة الشعر ليست بدون مخاطر أو عواقب. فهي تعتبر عملية جراحية تحتاج إلى تخدير موضعي أو عام وتستغرق عدة ساعات وتتطلب متابعة وعناية وصبراً. ومن الممكن أن تحدث بعض المضاعفات أو الآثار الجانبية بعد العملية مثل النزيف أو العدوى أو الالتهاب أو الحساسية أو الألم أو الحكة أو الورم أو الندوب أو الصداع أو الدوخة أو الغثيان أو القيء أو الرفض أو النمو غير المتناسق أو المظهر غير الطبيعي أو النتائج غير المرضية. ولهذا، يجب على المريض اتباع تعليمات الطبيب بدقة والحرص على النظافة والتغذية والراحة والمراجعة والعلاج.
3. تقنيات زراعة الشعر
هناك عدة تقنيات مختلفة لزراعة الشعر، ولكل منها مزايا وعيوب خاصة بها. سأحاول شرحها لك بشكل موجز وموضوعي.
- زراعة الشعر بالشريحة (FUT): تعتمد هذه التقنية على استئصال شريحة من الجلد المحتوي على الشعر من المنطقة المانحة (عادة مؤخرة الرأس) وتقسيمها إلى وحدات جرابية صغيرة تحتوي على 1-4 بصيلات شعر وزراعتها في المنطقة المستقبلة. هذه التقنية تترك ندبة خطية في المنطقة المانحة وتحتاج إلى خياطة وعناية بالجرح. هذه التقنية تمكن من زراعة عدد كبير من البصيلات في جلسة واحدة وتستغرق وقتاً أقل من التقنيات الأخرى.
- زراعة الشعر بالاقتطاف (FUE): تعتمد هذه التقنية على استخراج البصيلات الفردية باستخدام أداة دوارة من المنطقة المانحة وزراعتها في المنطقة المستقبلة دون الحاجة إلى جراحة أو خياطة. هذه التقنية تترك ندوباً صغيرة وغير ملحوظة في المنطقة المانحة وتحتاج إلى عناية بسيطة بالجروح. هذه التقنية تمنح مظهراً طبيعياً ومتناسقاً للشعر وتقلل من الألم والتورم والنزيف والمضاعفات بعد العملية. هذه التقنية تحتاج إلى وقت أطول وخبرة أكبر من الطبيب وتكلفة أعلى من التقنية السابقة.
- تقنية (Micro Fue): هي تطوير لتقنية الاقتطاف (FUE)، حيث تستخدم أداة أصغر وأدق لاستخراج البصيلات الفردية من المنطقة المانحة وزراعتها في المنطقة المستقبلة. هذه التقنية تقلل من حجم الندوب والجروح والتلف الذي قد يحدث للبصيلات أثناء العملية. هذه التقنية تحتاج إلى مهارة عالية من الطبيب وتكلفة أعلى من التقنية السابقة.
- زراعة الشعر بتقنية السفير (Sapphire): هي تطوير لتقنية الاقتطاف (FUE)، حيث تستخدم أداة مصنوعة من الياقوت (Sapphire) لإحداث الشقوق الصغيرة في المنطقة المستقبلة وزراعة البصيلات فيها. هذه الأداة تتميز بحدتها ونعومتها ومقاومتها للبكتيريا والتهابات. هذه التقنية تسمح بزراعة البصيلات بزاوية وكثافة واتجاه أفضل وتسرع من عملية الشفاء وتحسن من جودة النتائج. هذه التقنية تحتاج إلى مهارة عالية من الطبيب وتكلفة أعلى من التقنية السابقة.
- تقنية أقلام تشوي (DHI): هي تطوير لتقنية الاقتطاف (FUE)، حيث تستخدم أداة تشبه القلم (Choi Pen) لاستخراج البصيلات من المنطقة المانحة وزراعتها مباشرة في المنطقة المستقبلة دون الحاجة إلى إحداث شقوق مسبقة. هذه الأداة تحتوي على إبرة دقيقة ومجوفة تمكن من زراعة البصيلات بسرعة ودقة وحماية. هذه التقنية تمنح مظهراً طبيعياً ومتناسقاً للشعر وتقلل من الندوب والجروح والتلف الذي قد يحدث للبصيلات أثناء العملية. هذه التقنية تحتاج إلى مهارة عالية من الطبيب وتكلفة أعلى من التقنية السابقة.
هذه هي أهم وأحدث تقنيات زراعة الشعر في العالم. لا يوجد تقنية أفضل من أخرى بشكل عام، بل يعتمد الاختيار على حالة ورغبة وميزانية كل مريض. لذلك، يجب عليك استشارة طبيب مختص وموثوق ومتمرس في مجال زراعة الشعر قبل اتخاذ قرارك.