شكل نابوليون بونابرت ذلك الضابط الكورسيكي المغمور الذي اعتلى عرش فرنسا و دوخ أوروبا بانتصاراته المدوية ، شكل لغزاً كبيراً في حياته و مماته على حد سواء .
مات نابوليون منفياً على جزيرة سانت هيلانة الواقعة في المحيط الأطلسي قرب سواحل أفريقيا يوم 5 أيار - مايو 1821 عن عمر 51 عاماً فقط ، كانت حالته الصحية قد بدأت تتدهور منذ عدة أشهر في حين أرسل طبيبه الخاص عدة تحذيرات إلى لندن بهذا الخصوص دون أن يلقى رداً ، لفظ نابوليون أنفاسه الأخيرة و كانت آخر كلماته : (فرنسا ، الجيش ، قائد الجيش ، جوزيفين) .
لكن لغز نابوليون لم ينته بوفاته ، فسرعان ما راحت الأحاديث تدور حول سبب وفاة امبراطور فرنسا السابق ، و تساءل الناس هل من دور لعدوة نابوليون الأزلية بريطانيا في هذه الوفاة السابقة لأوانها ؟
التقرير الرسمي الذي صدر بعيد الوفاة يعزو سبب الوفاة إلى إصابة نابوليون بسرطان المعدة ، و هو سبب يبدو مرضياً بالنسبة لسجاني نابوليون البريطانيين حيث يلقي عن كاهلهم أي مسؤولية عن الوفاة ، كما أنه من المعروف أن والد نابوليون كان قد مات بنفس المرض ما يرجح احتمال أن يكون السرطان وراثياً في الأسرة .
في عام 1955 نشرت مذكرات خادم نابليون الشخصي و التي احتوت على وصف دقيق للأشهر الأخيرة في حياة نابوليون ، بناء على هذا الوصف بنى عالم السموم السويدي ستين فروشوفود فرضيته الجديدة حول سبب وفاة نابوليون و التي خرجت إلى العلن في عام 1961 ، و التي تقول بأن نابوليون قد لا يكون مات ميتة طبيعية بل تم تسميمه باستخدام سم الزرنيخ و الذي كان استخدامه شائعاً في الحقبة الزمنية التي عاش فيها نابوليون حيث أنه لم يكن قابلاً للكشف في حال تم دسه بكميات ضئيلة على مدى فترة طويلة من الزمن ، و في عام 1978 أصدر فروشوفود دراسة أخرى بالاشتراك مع زميل له ذكرا فيها أن جسد نابوليون ظل سليماً تقريباً مدة 20 سنة بعد وفاته و هذه إحدى خصائص مادة الزرنيخ ، كما ذكرت الدراسة أن نابوليون كان يعاني في أواخر أيامه من عطش شديد و هذا أيضاً عارض آخر من أعراض التسمم بالزرنيخ .
و في عام 2007 صدرت دراسة علمية أخرى أكدت العثور في عينات الشعر المأخوذة من رفات نابوليون على الزرنيخ المعدني غير العضوي و هو النوع الأكثر سمية من الزرنيخ ، ما يعزز فرضية الاغتيال .
بالمقابل صدرت دراسات أخرى عديدة تدحض فرضية التسميم و تؤيد فرضية الموت الطبيعي ، و من الحجج التي اعتمدتها تلك الدراسات أن التلوث بالزرنيخ كان شائعاً في عصر نابوليون حيث كان الزرنيخ يدخل بكثرة في صناعة الأصباغ و المواد اللاصقة.
و هكذا سيظل سبب وفاة نابوليون سراً مطوياً من أسرار التاريخ يضاف إلى الأسرار العديدة التي ارتبطت بحياة الرجل المثيرة للجدل ، إلا إذا ظهر قريباً دليل قاطع يؤيد هذه الفرضية أو تلك و ينهي الجدل الدائر منذ زمن حول سبب وفاة أحد أشهر الرجال في تاريخ فرنسا و العالم .